9 مصاحف الكتاب الاسلامي/

الخميس، 25 مايو 2023

ج1وج2وج3.كتاب الحماسة المغربية--الجرّاوي

 

ج1وج2وج3.كتاب  الحماسة المغربية--الجرّاوي 

وقال حمّاد عجرد في ابن نوح وكان يتعارب:

أيا بن نوح يا أخا ال ... حلس ويا بن القتبِ

ومن نشا والده ... بين الحمى والكثبِ

يا عربي يا عربي ... يا عربي يا عربي!

وقال مخلَّد الموصليّ لحبيب بن أوس مثل ذلك: "

أنت عندي عربيٌّ ... ليس في هذا كلامُ

عربيٌّ عربيٌّ ... عربيٌّ والسّلامُ

شعر إبطيك وساقي ... ك خزامى وثمامُ

وقذى عينك صمغ ... ونواصيك ثغامُ

وضلوع الصَّدر من خل ... قك نبع وبشامُ

لو تحرَّكت كذا لأن ... جفلت منك نعامُ

وحمام يتغنَّى ... حبَّذا ذاك الحمامُ

أنا ما ذنبي إن كذَّ ... بني فيك الأنامُ؟

وبدت منك سجايا ... نبطيَّات لئامُ

وقفاً يحلف ما إن ... أعرقت فيك الكرامُ!

وقال أيضاً:

لا درَّ درُّ أبي ما كان أجهله ... إذ لم يقل إنَّني من سادة العربِ

ماذا عليه؟ وماذا كان ينقصه ... لو قال إنِّي ابن ماء المزن في النَّسبِ؟

أكان أعجز من قوم ببلدتنا ... تسوَّروا بعدما شابوا على النَّسبِ

ودخل اعرابيٌّ الحمَّام فسقط فلصابته شجَّة فقال:

وقالوا تطهَّر إنَّه يوم جمعة ... فرحت من الحمَّام غير مطهَّرِ

تزوَّدت منه شجَّة فوق مفرقي ... بفلسين إنِّي بئسما كان متجري

وما تحسن الأعراب في السُّوق مشية ... فكيف ببيت من رخام ومرمرِ؟

يقول لي الأنباط إذ أنا باركٌ: ... " به لا بظبي، بالصَّريمة أعفرِ! "

وقال ابن صارة يصف فروة له:

أودت بذات يدي فريَّة أرنب ... كفؤاد " عروة " في الضَّنى والرِّقَّةِ

يتجشَّم الفرَّاء في ترقيعها ... جهد المشقَّة في قريب الشُّقَّةِ

لو أنَّ ما أنفقت في ترقيعها ... يحصى لزاد على رمال الرَّقَّةِ

إن قلت: باسم الله عند لباسها ... قرأت عليك " إذا السَّماء انشقَّتِ "

باب

في ذمِّ النَّقائص

قال النَّابغة الذُّبيانيُّ ، واسمه زياد بن عمرو:

فإن يك عامر قد قال جهلاً ... فإنَّ مظنَّة الجهل السِّبابُ

فكن كأبيك أو كأبي براء ... توافيك الحكومة والصَّوابُ

ولا تذهب بحلمك طامياتٌ ... من الخيلاء ليس لهنَّ بابُ

فإنَّك سوف تحلم أو تناهى ... إذا ما شبت أو شاب الغرابُ

فإن تكن الفوارس يوم حسي ... أصابوا من لقائك ما أصابوا

فما إن كان من نسب بعيد ... ولكن أدركوك وهم غضابُ

فوارس من منولة غير ميل ... ومرَّة، فوق جمعهم العقابُ

وقال طرفة بن العبد البكري:

فليت لنا مكان الملك عمرو ... رغوثاً حول قبَّتنا تخورُ

لعمرك إنَّ قابوس بن حجر ... ليخلط ملكه نوك كثيرُ

قسمت الدَّهر في زمن رخيٍّ ... كذاك الدَّهر يعدل أو يجورُ

لنا يوم وللكروان يوم ... تطير البائسات ولا نطيرُ

فأمَّا يومنا فنظلُّ ركباً ... قياماً ما نظلُّ وما نسيرُ

وأمَّا يومهنَّ فيوم نحس ... تطاردهنَّ بالحدب الصُّقورُ

وقال الحطيئة:

لقد مريتكم لو أنَّ درَّتكم ... يوماً يجيء بها مسحي وإبساسي

لمَّا بدا لي منكم غيب أنفسكم ... ولم يكن لجراحي فيكم آسِ

أزمعت يأساً مريحاً من نوالكم ... ولن ترى طارداً للحرِّ كالياسِ

دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنَّك أنت الطَّاعم الكاسي

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والنَّاسِ

وقال أبو زيد الأسلميّ:

مدحت عروقاً للنّدى مصَّت الثّرى ... حديثاً فلم تهمم بأن تتزعزعا

نقائذ بؤس ذاقت الفقر والغنى ... وحلَّبت الأيَّام والدَّهر أضرعا

سقاها ذوو الأرحام سجلاً على الظَّما ... وقد كربت أعناقها أن تقطَّعا

بفضل سجال لو سقوا من مشى بها ... على الأرض أرواهم جميعاً وأشبعا

فضمت بأيديها على فضل مائها ... من الرِّيِّ لمَّا أوشكت أن تضلَّعا

وزهَّدها أن تفعل الخير في الغنى ... مقاساتها من قبله الفقر جوَّعا

وقال بعض بني أسد:

 

تصبَّر للبلاء الجمِّ صبرا ... إذا جاورت حيِّ بني أبانِ

أقاموا الدَّيدبان على يفاع ... وقالوا لي احترس بالدَّيدبانِ

فإن أبصرت شخصاً من بعيد ... فصفِّق بالبنان على البنانِ!

تراهم خشية الأضياف خرساً ... يقيمون الصَّلاة بلا أذانِ

وقال آخر:

إنِّي رأيت من المكارم حسبكم ... أن تلبسوا خزَّ الثِّياب وتشبعوا

وإذا تذوكرت المكارم مرَّة ... في مجلس أنتم به فتقنَّعوا

وقال ابن أبي عيينة:

إنَّ أضياف خالد وبنيه ... ليجوعون فوق ما يشبعونا

وتراهم من غير نسك يصومو ... ن ومن غير علَّة يحتمونا

يا بني خالد دعوة وفرُّوا ... كم على الجوع ويحكم تصبرونا

وقال أيضاً:

دعوني وإيّا خالد بعد ساعة ... سيحمله شعري على الأبلق الأغرّ

أأطلب بعد اليوم صحبة خالد ... جحدت إذن ما أنزل الله في السُّورْ

أبوك لنا غيث نعيش بسيبه ... وأنت جراد ليس يبقي ولا يذرْ

له أثر في كلِّ وقت يسرُّنا ... وأنت تعفِّي دائماً ذلك الأثرْ

وقال أيضاً:

خلفت كهولك فيما بنوا ... بهدم البناء الَّذي شيَّدوا

سعوا في صلاح مروءاتهم ... وأنت لما أصلحوا مفسدُ

فيومك يوم لنا غائظ ... مشوم على هامنا أنكدُ

ولست بمعتبنا في غد ... ولكن يزيدك شرَّاً غدُ!

ولو خلقت لك ألفا يد ... لما نالت المجد منها يدُ

وقال دعبل بن عليّ:

النَّاس يسعون شتّى في أمورهم ... من بين ذي فرح منهم ومهمومِ

و " مالك " ظلَّ مشغولاً بنسبته ... يرمُّ منها بناء غير مرمومِ

يبني بيوتاً خراباً لا أنيس بها ... ما بين " طوق " إلى " عمرو بن كلثومِ "

وقال عبد الرَّحمن بن حسَّان بن ثابت:

ذممت ولم تحمد وأدركت حاجتي ... تولَّى سواكم أجرها واصطناعها

أبى لك كسب الحمد رأي مقصِّر ... ونفس أضاق الله بالخير باعها

إذا هي حثَّته على الخير مرَّةً ... عصاها وإن همَّت بشرٍّ أطاعها

وقال عمران بن حطَّان:

أسد عليَّ وفي الحروب نعامة ... وتراء تفزع من صفير الصَّافرِ

هلاَّ برزت إلى غزالة في الوغى ... بل كان قلبك في جناحي طائرِ

صدعت غزالة قلبه بفوارس ... تركت فوارسه كأمس الدَّابرِ

وقال أعرابي:

كدحت بأظفاري وأعلمت معولي ... فصادفت جلموداً من الصَّخر أملسا

تشاغل لمَّا جئت في وجه حاجتي ... وأطرق حتَّى قلت: قد مات أو عسى

وأقبلت أن أنعاه حتَّى رأيته ... يفوق فواق الموت حتَّى تنفَّسا

فقلت له: لا بأس لست بعائد ... فأفرخ تعلوه السَّمادير ملبسا

وقال بعض آل المهلّب:

قوم إذا أكلوا أخفوا كلابهم ... واستوثقوا من رتاج الباب والدَّارِ

لا يقبس الجار منهم فضل نارهم ... ولا تكفُّ يد عن حرمة الجارِ

وقال البحتريُّ بن المغيرة بن أبي صفرة:

جفاني الأمير والمغيرة قد جفا ... وأضحى يزيد لي قد أزوِّر جانبهْ

وكلُّهم قد نال شبعاً لبطنه ... وشبع الفتى لؤم إذا جاع صاحبهْ

فيا عمُّ مهلاً واتَّخذني لنبوة ... تنوب فإنَّ الدَّهر جمُّ نوائبهْ

أنا السَّيف إلاَّ أنَّ للسَّيف نبوة ... ومثلي لا تنبو عليه مضاربهْ

وقال عبد المحسن الصُّوري:

وأخٍ مسَّه نزولي بقرحٍ ... مثلما مسَّني من الجوع قرحُ

قال إذ زرت وهو من شدَّة السُّك ... رة بالهمِّ طافح ليس يصحو:

لم تغرَّبت، قلت: قال رسول ال ... لّه والقول منه نصح ونجحُ:

سافروا تغنموا، فقال وقد قا ... ل تمام الحديث: صوموا تصحُّوا

وقال جرير:

صارت حنيفة أثلاثاً: فثلثهم ... من العبيد، وثلث من مواليها

لو قيل: أين هوادي الخيل ما عرفوا ... قالوا لأذنابها: هذي هواديها

أو قيل: إنَّ حمام الموت آخذكم ... أو تلجموا فرساً قامت بواكيها

لمَّا رأت خالداً بالعرض أهلكها ... قتلاً وأسلمها ما قال طاغيها

دانت وأعطت يداً للسَّلم صاغرةً ... من بعدما كاد سيف الله يفنيها

وقال آخر:

 

إنَّا سألنا قومنا فخيارهم ... من كان أفضلهم أبوه الأوَّلُ

أعطى الَّذي أعطى أبوه قبله ... وتبخَّلت أبناء من يتبخَّلُ

وقال ربيعة الرَّقيّ:

لشتَّان ما بين اليزيدين في النَّدى ... يزيد سليم والأغرِّ ابن حاتمِ

فهمُّ الفتى الأزديِّ إتلاف ماله ... وهمُّ الفتى القيسيِّ جمع الدَّراهمِ

فلا يحسب التَّمتام أنَّي هجوته ... ولكنَّني فضَّلت أهل المكارمِ

وقال آخر:

وجهك يا عمرو فيه طول ... وفي وجوه الكلاب طولُ

والكلب يحمي على الموالي ... وليس تحمي ولا تصولُ

مستفعلن فاعلن فعولن ... مستفعلن فاعلن فعولُ

بيت كما أنت ليس فيه ... معنىً سوى أنَّه فضولُ

وقال أعرابي:

ولمَّا أن رأيت بني حريٍّ ... جلوساً ليس بينهم جلوسُ

يئست من الَّتي أقبلت أبغي ... لديهم إنَّني رجل يؤوسُ!

إذا ما قلت: أيُّهم لأيٍّ؟ ... تشابهت المناكب والرؤوسُ

وقال الأعشى:

أعلقم قد حكمتني فوجدتني ... بكم عالماً على الحكومة غائصا

كلا أبوكم كان فرع دعامة ... ولكنَّهم زادوا وأصبحت ناقصا

تبيتون في المشتى ملاء بطونكم ... وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا

وقال مالك بن أبي كعب والد كعب بن مالك:

ولا خير في مولى يظلُّ كأنَّه ... إذا ضيم مولاه أشاف على غنمِ

حريص على ظلم البريء مخالف ... عن القصد مأفون ضعيف عن الظُّلمِ

أبى الحزم أن يرمي العدا من ورائه ... وإن كان لا ينكى عدوّاً ولا يرمي

فذاك كغثِّ اللَّحم ليس بنافع ... ولا بدَّ يوماً أن يعدَّ من اللَّحمِ

وقال آخر:

لحا الله أكبانا زناداً وشرَّنا ... وأيسرنا عن عرض والده ذبَّا

رأيتك لمّا نلت مالاً ومسَّنا ... زمان ترى في حدِّ أنيابه شغبا

جعلت لنا ذنباً لتمنع نائلاً ... فأمسك ولا تجعل غناك لنا ذنبا

وقال زياد الأعجم:

نبِّئت أشقر تهجونا، فقلت لهم: ... ما كنت أحسبهم كانوا ولا خلقوا

لا يكثرون وإن طالت حياتهم ... ولو يبول عليهم ثعلب غرقوا

قوم من الحسب الأدنى بمنزلة ... كالفقع بالقاع: لا أصل ولا ورقُ

وقال كعب الأشقري:

لعلَّ عبيد القيس تحسب أنَّها ... كتغلب في يوم الحفيظة أو بكرِ

يضعضع عبد القيس في النَّاس منصب ... دنيٌّ وأحساب جبرن على كسرِ

إذا شاع أمر النَّاس وانشقَّت العصا ... فإنَّ لكيزاً لا تريش ولا تبري

وقال آخر:

مواقفنا في كلِّ يوم كريهة ... أسرُّ وأشفى من مواقف حوشبِ

دعاه يزيد والرِّماح شوارع ... فلم يستجب بل راغ تراوغ ثعلبِ

ولو كان شهم النَّفس أو ذا حفيظة ... رأى ما رأى في الموت عيسى بن مصعبِ

وقال آخر:

فإن أنتم لم تثأروا بأخيكم ... فكونوا بغايا للخلوق وللكحلِ

وبيعوا الرُّدينيات بالخمر واصبروا ... على الذُّلِّ وابتاعوا المغازل بالنَّبلِ

وقال آخر:

إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحاً ... عنِّي، وما سمعوا من صالح دفنوا

صمٌّ إذا سمعوا خيراً ذكرت به ... وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا

جهلاً عليَّ وجبناً عن عدوِّهم ... لبئست الخلَّتان الجهل والجبنُ

وقال امرأة من بني غامد:

ألا هل أتاها على نأيها ... بما فضحت قومها غامدُ

تمنَّيتم مئتي فارس ... فردَّكم فارس واحدُ

فليت لكم بارتباط الخيول ... ضئاناً لها حالب قاعدُ

وقال آخر:

حريص على الدُّنيا مضيع لدينه ... وليس لما في بيته بمضيعِ

سريع إلى ابن العمِّ يشتم عرضه ... وليس إلى داعي النَّدى بسريعِ

وقال حميد الأرقط:

أتانا ولم يعدله سحبان وائل ... بياناً وعلماً بالَّذي هو قائلُ

يقول وقد ألقى مراسي للقرى: ... أبن لي ما الحجَّاج بالنَّاس فاعلُ

تزبَّل كفَّاه وتحدر حلقه ... إلى البطن ما ضمَّت عليه الأناملُ

فقلت: لعمري ما لهذا طرقتني ... فكل ودع الإرجاف ما أنت آكلُ

فما زال عنه اللَّقم حتَّى حسبته ... من العيِّ لمّا أن تكلم باقلُ!

 

وقال الخليل بن أحمد:

وزلة يكثر الشيطان إن ذكرت ... منها التعجُّب جاءت من سليمانا

لا تعجبنَّ لخير زلَّ عن يده ... فالكوكب النَّحس يسقي الأرض أحيانا

وقال آخر:

كأنَّما كفَّاه من حجر ... فليس بين يديه والنَّدى عملُ

يرى التَّيمُّم في برٍّ وفي بحرٍ ... مخافة أن يرى في كفِّه بللُ!

وقال محمّد بن وهيب:

لم تند كفُّك من بذل النَّوال كما ... لم يند سيفك مذ قلِّدته بدمِ

كنت امرأ رفَّعته فتنة فعلا ... أيَّامها غادراً بالعهد والذِّممِ

حتَّى إذا انكشفت عنَّا غيابتها ... ورتِّب النَّاس بالأحساب والقدمِ

مات التَّخلُّق وارتدَّتك مرتجعاً ... طبيعة نذلة الأخلاق والشيِّمِ

وقال أبو الشَّمقمق:

هيهات تضرب في حديد بارد ... إن كنت تطمع في نوال سعيدِ

والله لو ملك البحور بأسرها ... وأتاه سلم في زمان مدودِ

يبغيه منها شربة لطهوره ... لأبى وقال: تيمَّمن بصعيدِ

وقال سهل بن هارون:

من كان يعمر ما شادت أوائله ... فأنت تخرب ما شادوا وما سمكوا

ما كان في الحقِّ أن تحوي فعالهم ... وأنت تحوي من الميراث ما تركوا.

وقال آخر:

كساني قميصاً مرَّتين إذا انتشى ... وينزعه عنِّي إذا كان صاحيا

فلي فرحة في سكره بقميصه ... وروعته في الصَّحو خصَّت شرابيا

فيا ليت حظِّي في سروري وروعتي ... يكون كفافاً لا عليَّ ولا ليا

وقال أبو بكر التميمي:

لو أنَّ أكفانهم من حرٍّ أوجههم ... قاموا إلى الحشر فيها مثلما رقدوا

خزر العين إذا ما عوينوا وإذا ... ما عاينوا أنفذوا باللَّحظ ما قصدوا

وهذا في صلابة الوجه مثل قول الآخر:

لا يعمل المبرد في وجهه ... ووجهه يعمل في المبردِ

وكقول الآخر:

لو كان حافر برذوني كأوجههم ... بني اللِّئام لما أنعلته أبدا

وقال أبو مسعود بشّار بن برد:

خليليَّ من كعب أعينا أخاكما ... على دهره إنَّ الكريم معينُ

ولا تبخلا بخل ابن قزعة إنَّه ... مخافة أن يرجى نداه حزينُ

إذا جئته في حاجة سدَّ بابه ... فلم تلقه إلاَّ وأنت كمينُ

كأنَّ عبيد الله لم يدر ما النَّدى ... ولم يدر أنَّ المكرمات تكونُ

فقل لأبي يحيى: متى تبلغ العلا ... وفي كلِّ معروف عليك يمينُ

وقال ابن الرُّوميّ:

جاء سليمان بني طاهر ... فاجتاح معتزَّ بني المعتصمْ

كأنَّ بغداد وقد أبصرت ... طلعته نائحة تلتدمْ

مستقبل منه ومستدبر ... وجه بخيل وقفا منهزمْ

وقال أيضاً:

قرنُ سليمان قد أضرَّ به ... شوق إلى وجهه سيتلفه

كم يعدُ القرن باللقاءِ وكم ... يكذب في وعده ويخلفهُ

لا يعرف القرن وجهه ويرى ... قفاه من فرسخ فيعرفه

وقال أيضاً:

تشبَّب حين همَّ بأن يشيبا ... لقد غلط الفتى غلطاً عجيبا

ألا لله من خطب سيضحي ... له الولدان من شيبان شيبا

وقال أيضاً:

عجبت من معشر بعقوتنا ... باتوا نبيطاً وأصبحوا عربا

مثل أبي الصَّقر إنَّ فيه وفي ... دعواه شيبان آية عجبا

بيناه علجاً على جبلَّته ... إذ مسَّه الكيمياء فانقلبا

عرَّبه جدُّه السعيد كما ... حوَّل زرنيخ جدِّه ذهبا

وهكذا هذه الجدود لها ... إكسير صدق يعرِّب النَّسبا

بدَّلك الدهر يا أبا الصّقر من ... خالك خالاً ومن أبيك أبا

فهل يراك الإله معترفاً ... بشكر نعمائه الذي وهبا

يا عربياً: آباؤه نبط ... يا نبعة كان أصلها غربا

كم لك من والدٍ ووالدة ... لو غرس الشَّوك أثمر العنبا

لم يعترف خيمةً ولا وتداً ... ولا عموداً لها ولا طنبا

وقال أبو نواس:

خبز الخصيب معلِّق بالكوكب ... يحمى بكلِّ مثقَّف ومشطَّبِ

جعل الطَّعام على الجياع محرَّماً ... لؤماً وحلَّله لمن لم يسغبِ

فإذا هم رأوا الرَّغيف تطرَّبوا ... طرب الصِّيام إلى أذان المغربِ

وقال أيضاً:

على خبز إسماعيل واقية البخل ... فقد حلَّ في دار الأمان من الأكلِ

 

وما خبزه إلاَّ كعنقاء مغرب ... تصوَّر في بسط الملوك وفي النَّقلِ

تحدَّث عنها النَّاس من غير رؤية ... سوى صورة ماإن تمرُّ وما تحلي

وما خبزه إلاَّ كآوىً يرى ابنه ... ولم ير آوىً في الحزون ولا السَّهلِ

وما خبزه إلاَّ كليب بن وائل ... ليالي يحمي عزُّه منبت البقلِ

وإذ لا يستبُّ خصمان عنده ... ولا الصَّون مرفوع بجدٍّ ولا هزلِ

وقال حبيب بن أوس:

أفيّ تنظم قول الزُّور والفند ... وأنت أنزر من لا شيء في العددِ

أقدمت ويحك في هجوي وفي ضرري ... والعير يقدم من ذعرٍ على الأسدِ

وقال أيضاً:

يا من تبرَّمت الدُّنيا بطلعته ... كما تبرَّمت الأجفان بالسُّهدِ

يمشي على الأرض مختالاً فأحسبه ... لبغض طلعته يمشي على كبدي

لو أنَّ في الأرض جزءاً من سماجته ... لم يقدم الموت إشفاقاً على أحدِ

وقال البحتريّ:

وخلَّفني الزَّمان على أناس ... وجوههم وأيديهم حديدُ

لهم حلل حسنَّ فهنَّ بيض ... وأفعال سمجن فهنَّ سودُ

أناس لو تأمَّلهم لبيد ... بكى الخلف الَّذي يشكو لبيدُ!

وقال المتنبّي:

إنِّي نزلت بكذَّابين ضيفهم ... عن القرى وعن التَّرحال محدودُ

جود الرِّجال من الأيدي وجودهم ... من اللِّسان فلا كانوا ولا الجودُ

ما يقبض الموت نفساً من نفوسهم ... إلاَّ وفي يده من نتنه عودُ

العبد ليس لحرٍّ صالح بأخ ... لو أنَّه في ثياب الحرِّ مولودُ

لا تشتر العبد إلا والعصا معه ... إنَّ العبيد لأنجاس مناكيدُ

وقال أيضاً:

أكافورُ قبِّحت من خادمٍ ... ولاقتك مسرعة جائحةْ

تشبَّهت باسمك في برده ... وخالفت في الَّلون والرَّائحةْ

وقال محمّد بن شرف القيروانيّ:

وأبعد من طلبت فلم أجده ... رفيق في الصَّحابة لي رفيقُ

فأصبح وهو للعنقاء ثان ... وثاوٍ حيث أفرخت الأنوقُ

صحبت بهذه الدُّنيا أناساً ... إذا غدروا فغدرهم وثيقُ

ولم أصحبهم ودّاً ولكن ... كما جمع العدوَّين الطَّريقُ

وقال أيضاً:

ما هذه الألف الّتي قد زدتم ... فخلطتم الخوَّان بالإخوانِ

ما صحَّ لي أحد أصيَّره أخاً ... في الله محضاً أو ففي الشَّيطانِ

إمَّا مولٍّ عن وداد ماله ... وجه وإمَّا من له وجهانِ

كان رجل من أهلِ الشَّام يحضر مائدة الحجَّاج، فكتب إلى امرأته يعلمها بذلك فكتبت إليه بالأبيات، حيث تقول:

أتهدي لي القرطاس والخبز حاجتي ... وأنت على باب الأمير بطينُ

إذا غبت لم تذكر صديقاً وإن لم تقم ... فأنت على ما في يديك ضنينُ

فأنت ككلب السُّوء جوِّع أهله ... فيهزل أهل البيت وهو سمينُ

باب

الزُّهد والمواعظِ

قال لبيد بن ربيعة العامريّ:

بلينا وما تبلى النُّجوم الطَّوالع ... وتبقى الجبال بعدنا والمصانعُ

وما المرء إلاَّ كالشِّهاب وضوئه ... يحور رماداً بعد إذ هو ساطعُ

وما المال والأهلون إلاَّ ودائع ... ولا بدَّ يوماً أن تردَّ الودائعُ

أليس ورائي إن تراخت منيَّتي ... لزوم العصا تحنى عليها الأصابعُ

أخبِّر أخبار القرون الّتي مضت ... أدبُّ كأنِّي كلَّما قمت راكعُ

لعمرك ما تدري الضَّوارب بالحصا ... ولا زاجرات الطَّير ما الله صانعُ

سلوهنَّ إن كذَّبتموني: متى الفتى ... يذوق المنايا أو متى الغيث واقعُ

وقال قسّ بن ساعدة الإياديّ:

في الذَّاهبين الأوَّلي ... ن من القرون لنا بصائرُ

لمَّا رأيت موارداً ... للموت ليس لها مصادرُ

ورأيت قومي نحوها ... تمضي الأكابر والأصاغرُ

لا يرجع الماضي ولا ... يبقى من الباقين غابرُ

أيقنت أنَّي لا محا ... لة حيث صار القوم صائرُ

وقال الأسود بن يعفر:

ولقد علمت سوى الَّذي نبَّأتني ... أنَّ السبيل سبيل ذي الأعوادِ

إنَّ المنيَّة والحتوف كلاهما ... يوفي المحارم يرقبان سوادي

لم يرضيا منِّي وفاء رهينة ... من دون نفسي: طارفي وتلادي

 

ماذا أؤمِّل بعد آل محرِّق ... تركوا منازلهم وبعد إيادِ

أهل الخورنق والسَّدير وبارقٍ ... والقصر ذي الشُّرفات من سندادِ

أرض تخيَّرها لطيب مقيلها ... كعب بن مامة وابن أمِّ دوادِ

جرت الرِّياح على محلٍّ ديارهم ... فكأنَّهم كانوا على ميعادِ

ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة ... في ظلِّ ملك ثابت الأوتادِ

نزلوا بأبقرة يسيل عليهم ... ماء الفرات يجيء من أطوادِ

فإذا النَّعيم وكلُّ ما يلهى به ... يوماً يصير إلى بلىً ونفادِ

وقال أمية بن أبي الصلت:

إنَّ آيات ربِّنا باقيات ... لا يماري فيهنَّ إلاَّ الكفورِ

خلق اللَّيل والنَّهار فكلٌّ ... مستبين حسابه مقدورِ

ثمَّ يجلو النَّهار ربٌّ رحيم ... بمهاة شعاعها منشورِ

كلُّ دين يوم القيامة عند ال ... له إلاَّ دين الحنيفة بورِ

وقال عديُّ بن زيد:

أين أهل الدِّيار من قوم نوح ... ثمَّ عاد من بعدهم وثمودُ

بينما هم على الاسرَّة والان ... ماط أفضت على التُّراب الخدودُ

ثمَّ لم ينقض الحديث ولكن ... بعد الوعد كلُّهُ والوعيدُ

وصحيح أضحى يعود مريضاً ... وهو أدنى للموت ممَّن يعودُ

وقال أيضاً:

أين كسرى كسرى الملوك أنوشر ... وان أم أين قبله سابورُ

وبنو الأصفر الكرام ملوك الر ... وم لم يبق منهم مذكورُ

وأخو الحضر إذ بناه وإذ دج ... لة تجبى إليه والخابورُ

شاده مرمراً وخلَّله كل ... ساً فللطَّير في ذراه وكورُ

لم يهبه ريب المنون فباد ال ... ملك عنه فبابه مهجورُ

وتذكَّر ربَّ الخورنق إذ أش ... رف يوماً وللهدى تفكيرُ

سرَّه ماله وكثرة ما يم ... لك والبحر معرض والسَّديرُ

فارعوى قلبه وقال: فما غب ... طة حيٍّ إلى الفناء يصيرُ

ثمَّ صاروا كأنَّهم ورق جف ... ف فألوت به الصَّبا والدَّبورُ

وتمثَّل عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه:

لا شيء ممَّا ترى تبقى بشاشته ... إلا الإله ويودي المال والولدُ

لم يغن عن هرمزٍ يوماً خزائنه ... والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا

ولا سليمان إذ تجري الرِّياح له ... والجنُّ والإنس فيما بينها تردُ

أين الملوك الَّتي كانت لعزَّتها ... من كلِّ أوب إليها وافد يفدُ

وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يتمثَّل:

من كان حين تمسُّ الأرض جبهته ... أو الغبار يخاف الشَّرَّ والشَّعثا

ويألف الظِّلَّ كي تبقى بشاشته ... فسوف يسكن يوماً راغماً جدثا

في بطن مظلمة غبراء مقفرة ... يطيل تحت الثَّرى في رمسها اللَّبثا

تجهَّزي بجهاز تبلغين به ... يا نفس واقتصدي لم تخلفي عبثا

وقال بعضهم:

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم ... غلب الرِّجال فلم تمنعهم القللُ

واستنزلوا بعد عزٍّ من منازلهم ... وأنزلوا حفراً يا بئس ما نزلوا

ناداهم صارخ من بعدما دفنوا: ... " أين الأسرَّة والتِّيجان والحللُ؟

أين الوجوه الَّتي كانت منعّمة ... من دونها تضرب الأستار والكللُ " ؟!

قد طالما أكلوا دهراً وما شربوا ... فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا

وقال المصطلقيّ سويد بن عامر:

لا تأمننَّ وإن أمسيت في حرم ... إنَّ المنايا بجنبي كلّ إنسانِ

واسلك طريقك تمشي غير مختشع ... حتّى تلاقي ما يمني لك الماني

فكلُّ ذي صاحب يوماً مفارقه ... وكلُّ زاد وإن أبقيته فانِ

والخير والشرّ مقرونان في قرن ... بكلّ ذلك يأتيك الجديدانِ

وقال آخر:

لقد غرَّت الدُّنيا أناساً فأصبحوا ... بمنزلة ما بعدها متحوَّلُ

فساخط عيش لا يبدَّل غيره ... وراض بعيش غيره لا يبدَّلُ

وبالغ أمر كان يأمل دونه ... ومختلج من كلِّ ما كان يأملُ

وقال الفرزدق:

أخاف وراء القبر إن لم يعافني ... أشدَّ من القبر التهاباً وأضيقا

إذا قادني يوم القيامة قائد ... عنيف وسوَّاق يسوق الفرزدقا

وقد خاب من أولاد آدم من مشى ... إلى النَّار مغلول القلادة أزرقا

وقال محمود الورّاق:

 

يا ناظراً يرنو بعيني راقد ... ومشاهداً للأمر غير مشاهدِ

منَّيت نفسك ضلَّة وألجتها ... طرق الرَّجاء وهنَّ غير قواصدِ

تصل الذُّنوب إلى الذُّنوب وترتجي ... درك الجنان بها وقدر العابدِ

ونسيت أنَّ الله أخرج آدماً ... منها إلى الدُّنيا بذنب واحدِ

وقال ابن أبي عيينة:

ما راح يوم من الدُّنيا ولا ابتكرا ... إلاَّ رأى عظة فيه ومعتبرا

ولا أتت ساعة في الدَّهر وانصرمت ... حتّى تؤثِّر في قوم لها أثرا

إنَّ اللَّيالي والأيَّام لو سئلت ... عن غيب أنفسها لم تكتم الخبرا

وقال أبو نواس:

أيَّة نار قدح القادح ... وأيُّ جدٍّ بلغ المازحُ

لله درُّ الشَّيب من واعظ ... وناصح لو حظي النَّاصحُ

يأبى الفتى إلاَّ اتِّباع الهوى ... ومنهج الحقِّ له واضحُ

فاسم بعينيك إلى نسوة ... مهورهنَّ العمل الصَّالحُ

من اتَّقى الله فذاك الَّذي ... سيق إليه المتجر الرَّابحُ

لا يجتلي الحسناء من خدرها ... إلاَّ امرؤ ميزانه راجحُ

وقال أيضاً: " من المجتثّ "

سبحان من خلق الخل ... ق من ضعيف مهينِ

فصاغه في قرار ... إلى قرار مكينِ

وقال أيضاً:

يا سائل الله فزت بالظَّفر ... وبالنَّوال الهنيِّ لا الكدرِ

فارغب إلى الله لا إلى جسد ... متنقل من صباً إلى كبرِ

إنَّ الَّذي لا يخيب سائله ... جوهره غير جوهر البشرِ

مالك بالتُّرَّهات منشغلاً ... أفي يديك الأمان من سقرِ؟

وقال أيضاً:

وما النَّاس إلا هالك وابن هالك ... وذو نسب في الهالكين عريقِ

إذا امتحن الدُّنيا لبيب تكشَّفت ... له عن عدوٍّ في ثياب صديقِ

وقال أبو الأسود الدُّؤليّ:

أيها الآمل ما ليس له ... ربَّما غرَّ سفيهاً أملهْ

ربَّ من بات يمنِّي نفسه ... حال من دون مناه أجلهْ

والفتى المحتال فيما نابه ... ربَّما ضاقت عليه حيلهْ

قل لمن مثَّل في أسفاره ... يهلك المرء ويبقى مثلهْ

وقال أبو العتاهية إسماعيل:

يا عجباً للنَّاس لو فكّروا ... أو حاسبوا أنفسهم أبصروا

وعبروا الدُّنيا إلى غيرها ... فإنَّما الدُّنيا لهم معبرُ

لا فخر إلاَّ فخر أهل التُّقى ... غداً إذا ضمهم المحشرُ

ليعلمنَّ النَّاس أنَّ التُّقى ... والبرَّ كانا خير ما يذخرُ

عجبت للإنسان في فخره ... وهو غداً في قبره يقبرُ

ما بال من أوَّله نطفة ... وجيفة آخره يفخرُ

أصبح لا يملك تقديم ما ... يرجو ولا تأخير ما يحذرُ

وأصبح الأمر إلى غيره ... في كلِّ ما يقضى وما يقدرُ

وقال أيضاً:

ألا أنَّنا كلَّنا بائد ... وأيُّ بني آدم خالدُ

فواعجباً كيف يعصى الإله ... أم كيف يجحده الجاحدُ

ولله في كلِّ تحريكة ... علينا وتسكينة شاهدُ

وفي كلِّ شيءٍ له آية ... تدلُّ على أنَّه واحدُ

وقال أيضاً:

نعى لك شرخ الشَّباب المشيب ... ونادتك باسم سواك الخطوبُ

فكن مستعداً لدار البقاء ... فإنَّ الَّذي هو آت قريبُ

ألست ترى شهوات النُّفوس ... تفنى وتبقى عليها الذُّنوبُ

وقبلك داوى الطَّبيب المريض ... فعاش المريض ومات الطَّبيبُ

يخاف على نفسه من يتوب ... فكيف ترى حال من لا يتوبُ

وقال أيضاً:

سكن يبقى له سكن؟ ... ما بهذا يؤذن الزَّمنُ

نحن في دار يخبِّرنا ... عن بلاها ناطق لسنُ

دار سوء لم يدم فرح ... لامرئ فيها ولا حزنُ

لا يرى من أهلها أحد ... لم تمل فيها به الفتنُ

عجباً من معشر سلفوا ... أيَّ غبن بيِّن غبنوا

وفَّروا الدُّنيا لغيرهم ... وابتنوا فيها فما سكنوا

تركوها بعدما اشتبكت ... بينهم في حبِّها الإحنُ

كلُّ حيٍّ عند ميتته ... حظُّه من ماله الكفنُ

ماله ممَّا يخلِّفه ... بعد إلاَّ فعله الحسنُ

في سبيل الله أنفسنا ... كلُّنا بالموت مرتهنُ

وقال أيضاً:

 

أبقيت مالك ميراثاً لوارثه ... فليت شعري ما أبقى لك المالُ

القوم بعدك في حال تسرُّهم ... فكيف بعدهم دارت بك الحالُ

ملُّوا البكاء فما يبكيك من أحد ... واستحكم القيل في الميراث والقالُ

وقال أيضاً:

يا خاطب الدُّنيا الدَّنيَّة إنَّها ... دار متى سالمتها لم تسلمِ

وعليك بالتَّقوى فإنَّك ميِّت ... فاجعله واقية لحرٍّ جهنَّمِ

وتجنَّب الظُّلم الَّذي هلكت به ... أمم تودُّ لو أنَّها لم تظلمِ

وقال أيضاً:

يا خاطب الدُّنيا إلى غيرها ... تنحَّ عن خدمتها تسلمِ

إنَّ الَّتي تخطب غرَّارة ... قريبة العرس من المأتمِ

وقال أيضاً:

أما والله إنَّ الظُّلم لوم ... وما زال المسيء هو الظَّلومُ

إلى ديَّان يوم الدِّين نمضي ... وعند الله تجتمع الخصومُ

تنام ولم تنم عنك المنايا ... تنبَّه للمنيَّة يا نؤومُ

تموت غداً وأنت قرير عين ... من الغفلات في لجٍّ تعومُ؟!

لهوت عن الفناء وأنت تفنى ... وما حيٌّ على الدُّنيا يدومُ

سل الأيَّام عن أمم تقضَّت ... ستخبرك المعالم والرُّسومُ

وما تنفكُّ من زمن عقور ... بقلبك من مخالبه كلومُ

إذا ما قلت قد زجَّيت همَّاً ... فمرَّ تشعَّبت منه همومُ

وليس يذلُّ بالإنصاف قوم ... وليس يعزُّ بالغشم الغشومُ

وقال أيضاً:

لا تأمن الموت في طرف ولا نفس ... وإن تمنَّعت بالحجَّاب والحرسِ

فما تزال سهام الموت نافذةً ... في جنب مدَّرع منها ومتَّرسِ

أراك ليس بوقَّاف ولا حذر ... كالحاطب الخابط العشواء في الغلسِ

ترجو النَّجاة ولم تسلك طريقتها ... إنَّ السفينة لا تجري على يبسِ

أنَّى لك الصَّحو من سكر وأنت متى ... تصحُّ من سكرة تغشاك في نكسِ

ما بال دينك ترضى أن تدنِّسه الد ... نيا وعرضك مغسول من الدَّنسِ

لا تأمن الحتف فيما تستلذُّ به ... لانت ملامسه في كفِّ ملتمسِ

الحمد لله شكراً لا شريك له ... كم من حبيب من الأهلين مختلسِ

وقال محمَّد بن يسير:

ويل لمن لم يرحم الله ... ومن تكون النَّار مثواهُ

يا حسرتا في كلِّ يوم مضى ... يذكرني الموت وأنساهُ

من طال في الدُّنيا به عمره ... وعاش فالموت قصاراهُ

كأنَّني قد قيل في مجلس ... قد كنت آتيه وأغشاهُ:

صار اليسيريُّ إلى ربِّه ... يرحمنا الله وإيَّاهُ

وقال أيضاً:

أيُّ صفو إلاَّ تكدير ... ونعيم إلاَّ إلى تغييرِ

وسرور ولذَّة وحبور ... ليس رهناً لنا بيوم عسيرِ

عجباً لي ومن رضاي بدنيا ... أنا فيها على شفا تغريرِ

عالم لا أشك أنِّي إلى الل ... ه إذا متُّ أو عذاب السَّعيرِ

ثمَّ ألهو ولست أدري إلى أيَّ ... هما بعده يصير مصيري؟

أيُّ يوم عليَّ أفظع من يو ... م به تبرز النُّعاة سريري

كلَّما مرَّ بي على أهل ناد ... كنت حيناً بهم كثير المرورِ

قيل من ذا على سرير المنايا؟ ... قيل: هذا محمَّد بن يسيرِ!

وقال آخر:

إذا كانت السَّبعون داءك لم يكن ... لدائك إلاَّ أن تموت طبيبُ

وإنَّ امرأ قد سار سبعين حجَّة ... إلى منهل من ورده لقريبُ

إذا ما مضى القرن الَّذي أنت فيهم ... وخلِّفت في قرن فأنت غريبُ

وقال سابق البربريّ:

النَّفس تكلف بالدُّنيا وقد علمت ... أنَّ السَّلامة منها ترك ما فيها

والله ما قنعت نفس بما رزقت ... من المعيشة إلاَّ سوف يكفيها

أموالنا لذوي الميراث نجمعها ... ودورنا لخراب الدَّهر نبنيها

قس بالتَّجارب أحداث الزَّمان كما ... تقيس نعلاً بنعل حين تحذوها

والله ما عبرت في الأرض قاطرة ... إلاَّ وصرف اللَّيالي سوف يفنيها

وقال بكر بن حمَّاد التَّاهرتيّ:

غفلت وحادي الموت في أثري يحدو ... فإن لم أرح ميتاً فلا بدَّ أن أغدو

أرى عمري ولَّى ولم أترك المنى ... وليس معي زاد وفي سفري بعدُ

أنعِّم جسمي باللِّباس ولينه ... وليس لجسمي من قميص البلى بدُّ!

 

كأنَّي به قد مدَّ في برزخ البلى ... ومن فوقه ترب ومن تحته لحدُ

وقد ذهبت تلك المحاسن وامَّحت ... فلم يبق فوق العظم لحم ولا جلدُ

عسى: غافر الزَّلاَّت يغفر زلَّتي ... فقد يغفر المولى إذا أذنب العبدُ

أنا الفرد عند الموت والفرد في البلى ... وأبعث فرداً فارحم الفرديا فردُ

وقال آخر:

نراع بذكر الموت في حين ذكره ... وتعترض الدُّنيا فنلهو ونلعبُ

فنحن بنو الدُّنيا خلقنا لغيرها ... وما كنت فيها فهو شيء محبَّبُ

وقال ابن عبد ربِّه:

بادر إلى التُّوبة الخلصاء مجتهداً ... والموت ويحك لم يمدد إليك يدا

وأرقب من الله وعداً ليس يخلفه ... لا بدَّ لله من إنجاز ما وعدا

وإنَّما المرء في الدُّنيا على خطر ... إن لم يكن ميِّتاً في اليوم مات غدا

وقال المتنبّي:

أين الأكاسرة الجبابرة الألى ... كنزوا الكنوز فما بقين ولا بقوا

من كلِّ من ضاق الفضاء بجيشه ... حتَّى ثوى فحواه لحد ضيِّقُ

خرس إذا نودوا كأن لم يعلموا ... أنَّ الكلام لهم حلال مطلقُ

والموت آت والنُّفوس نفائس ... والمستغرُّ بما لديه الأحمقُ

والمرء يأمل والحياة شهيَّة ... والشَّيب أوقر والشَّبيبة أنزقُ

وقال الشَّريف الرَّضيّ:

أتذهل بعد إنذار المنايا ... وقبل النَّزع أنبضت الحنايا

رويدك لا يغرِّك كيد دنيا ... هي المرنان مصمية الرَّمايا

فإنَّك سالك فيها طريقاً ... تقطَّع فيه أرقاب المطايا

أترجو الخلد في دار التَّفاني ... وأمن السِّرب في خطط البلايا

وتغلق دون ريب الدَّهر باباً ... كأنَّك آمن قرع الرَّزايا

وإنَّ الموت لازمة قراه ... لزوم العهد أعناق البرايا

لنا في كلِّ يوم منه غازٍ ... له المرباع منَّا والصَّفايا

إذا قلنا أغبَّ رأيت منه ... كميش الذَّيل يطَّلع الثَّنايا

يطيل غرورنا مهل الأماني ... وننسى بعده عجل المنايا

وقال المعريّ:

أين مضى آدم وشيث ... وأين من بعده أنوشُ؟

مرَّ أبي تابعاً أباه ... ومرَّ عمري فكم أعيشُ؟!

لا ملك إلاَّ لرب عرش ... تزلُّ عن أمره العروشُ

خفّ من الخوف كلّ طود ... حتّى كأنَّ الجبال ريشُ

تطيش نبل الرُّماة منّا ... وأسهم الحتف لا تطيشُ

ولم يزل للمون جيش ... تفرُّ من ذكره الجيوشُ

يخبُّ بالنعش حاملوه ... وشدَّما سارت النّعوشُ

لا حبَّذا الإنس والخطايا ... وحبَّذا النُّسك والوحوشُ

وقال ابن صارة:

يا من يصيخ إلى داعي السَّفاه وقد ... نادى بك النّاعيان: الشَّيب والكبرُ

إن كنت لا تسمع الذِّكرى ففيم ثوى ... في رأسك الواعيان: السَّمع والبصرُ

ليس الأصمُّ ولا الأعمى سوى رجل ... لم يهده الهاديان: العين والأثرُ

لا الدَّهر يبقى ولا الدُّنيا ولا الفلك ال ... أعلى ولا النَّيَّران: الشَّمس والقمرُ

ليرحلنَّ عن الدُّنيا وإن كرها ... فراقها الثَّاويان: البدو والحضرُ

وقال أبو محمَّد بن السِّيد:

تجهُّزك الأدنى عنيت بذكره ... وضيَّعت من جهل تجهُّزك الأقصى

لقد بعت ما يبقى بما هو هالك ... وآثرت لو تدري على فضلك النَّقصا

وقال أيضاً:

وما دارنا إلاَّ وفاة لو أنَّنا ... نفكِّر، والأخرى هي الحيوانُ

شرينا بها عزَّاً يهون جهالة ... وشتان عزٌّ للفتى وهوانُ!

كمل باب الزُّهد والمواعظ بحول الله تعالى وبكماله كمل جميع الدِّيوان، والحمد لله ربِّ العالمين وصلَّى الله على سيِّدنا محمَّد نبيِّه الكريم وعلى آله وسلَّم تسليماً.

على يدي الفقير إلى ربِّه، الرَّاجي غفران ذنبه، محمَّد بن يوسف بن أحمد بن خلف بن صبيح، وفقه الله لطاعته بمنِّه لا ربَّ سواه، وذلك في غرَّة جمادى الأوَّل سنة 818 ثمان عشرة وثمان مئة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق